بيـان صحـفي
أود أن أشكر السيدة لمى سلام لرعايتها، وبالطبع الشكر للسيدة الملهمة والشغوفة مي شدياق لإحضارها هذه المجموعات من القادة معا. مي إن شجاعتك ملهمة لنا جميعا. بعد أسبوع من الآن، أي في الثامن من آذار، سوف نحتفل بالذكرى الخامسة بعد المئة لليوم العالمي للمرأة. إن تأسيس اليوم العالمي للمرأة نشأ كنتيجة لأنشطة الحركات العمالية عند مطلع القرن العشرين في أميركا الشمالية وفي جميع أنحاء أوروبا. هذا اليوم، يكرِّم تاريخ حركة حقوق المرأة، بما في ذلك الدعوة إلى حق التصويت والعمل في الوظائف العامة، ومكافحة التمييز في مكان العمل. إنه أوانٌ التأمل في التقدم، والدعوة إلى التغيير والاحتفال بأعمال عكست شجاعة وتصميم سيدات عملوا على إحداث فرق في مجتمعاتهم وبلدانهم . إن أهداف هذا المؤتمر، تكمن في دفع النساء على متابعة شغفهم، والتفكير بشكل أكبر، وتحويل أحلامهم إلى واقع – أهداف تتماشى بشكل جميل مع فكرة هذا العام لليوم العالمي للمرأة هنالك موضوع لكل يوم عالمي للمرأة، والعام 2016 هو عام “الالتزام بالمساواة”. إن فكرة هذا الموضوع هي أن الجميع يمكنهم اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تمكين النساء والفتيات. وفي الواقع، إن جهودا يبذلها المجتمع هي بالضبط ما نحتاجه من اجل تقدم حقيقي ودائم،.وجهود تمكين المرأة تعتبر تحديا معقدا يتطلب حلا تعاونيا، بحيث يمكن لكلّ واحد منا لعب دور ما. يتيح اليوم العالمي للمرأة لحظة للعالم أجمع كي يحتفل بالمرأة، في الماضي والحاضر والمستقبل. في الماضي، غالبا ما تجاهل العالم أو حتى مسح مساهمات النساء. فهناك أسماء لنساء كثيرات مفقودة من كتب التاريخ حتى جائزة نوبل والاختراعات والاكتشافات، والإنجازات، وحتى الاقتباسات وحتى أسوأ من ذلك، تنسب انجازاتهن إلى الرجال بدلا منهن. ولكي نكون أمناء، هذا الخطاب كتبته امرأة. وعلى كل حال، إن اليوم العالمي للمرأة هو فرصة لنا جميعا – خاصة المعلمين والطلاب – لنتعلّم المزيد عن هؤلاء النسوة المنسيات وتكريم مساهماتهن في المجتمع. فيما نحن نحتفل بهؤلاء النسوة علينا أيضا أن نعترف بالحواجز الهائلة التي يمكن أن تقف في طريقهن، وفقط بكل ببساطة، لأنهن نساء. منذ البداية الحقيقية لحياتنا، جنسنا البشري يعرِّف عنا، فأول سؤال عن المولود الجديد يكون حول إذا ما كان ذكرا أو أنثى . حسنا، هذا ينطبق تقريبا على الجميع. أذكر عندما أنجبنا طفلنا الأول، اتصلت هاتفيا بوالديَّ وبعد تلقيهما خبر الولادة، سألتني والدتي بخجل: “؟ وما هو اسم الطفل؟ ” وعندما أجبتها أن اسمه جوزف، صرخت إلى والدي الذي كان في الخارج ” لقد أنجبوا صبيا، لقد أنجبوا صبيا!” لكن لكي نكون منصفين إلى والدي، كان ابني حفيدهم الخامس والاحفاد الاربعة الاول كانوا جميعا فتيات. فالموضوع كان يتعلق بالتوازن. للأسف، فيما يصبح الأطفال اولادا ثم بالغين، غالبا ما يكون الجنس أساسا في تحديد الفرص المتاحة وتقريبا في كل مكان، تكون للذكور امكانية المساهمة في مجتمعاتهم أكثر من الإناث وهذه حقيقة حزينة. تستمر النساء محرومات في العديد من الاقتصادات، وموضوعات جانبا بالنسبة للعمل في بعض المجالات أو الوظائف، أو حتى ممنوعات عن العمل بالمطلق. وتمثل النساء نحو 40 بالمائة من إجمالي القوى العاملة في العالم، ولكن تشكل 58 بالمائة من إجمالي العمل بدون أجر و 50 بالمائة من العمالة غير الرسمية. في البلدان النامية،غالبا ما تكون الفوارق أكبر من ذلك. وترك النساء خارج الاقتصاد الرسمي ليس فقط عائق للنساء على الصعيد الشخصي، بل هو يعني أيضا خسارة اقتصادية للمجتمع ككل. ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن العوائق القانونية التي تحول دون مشاركة المرأة في القوى العاملة تسبب خسائر في الناتج المحلي الإجمالي قد تصل إلى ثلاثين بالمائة . وتقدر مؤسسة ماكينزي للإستشارات أن مشاركة النساء في جميع أنحاء العالم على قدم المساواة مع الرجل، يمكنها إضافة ما يمكن أن يصل الى 28 ترليون دولار الى إجمالي الناتج المحلي العالمي السنوي بحلول العام 2025. غالبا ما تُحرم االنساء من القدرة على اتخاذ قراراتهنّ بأنفسهنّ وقرارات مجتمعاتهن وأوطانهن. فعلى الرغم من كونهن يمثّلن أكثر من خمسين بالمائة من سكان العالم، فهن لا يزلن ممثلات تمثيلا ناقصا في كل من الحياة السياسية والعامة. فاليوم تحوي البرلمانات، فقط، على اثنين وعشرين بالمائة من النساء، وفي لبنان، هناك أربع نساء فقط من أصل 128 نائبا. وعلى الصعيد العالمي، هناك أقل من عشرين بالمائة من النساء يعملن كوزيرات، وفي لبنان هناك وزيرة واحدة فقط مع أنها مسؤولة عن وزارتين. هذا ومنذ العام 1992، مثلت النساء أقل من ثلاثة بالمائة من القائمات بالوساطة وثمانية بالمائة من المفاوضات في عمليات سلام رئيسية. وأود أن أذكر أن هناك بين سفراء الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، 31 بالمائة من النساء هذا يعتبر ارتفاعا كبيرا منذ عام 1956 حيث كان هناك ثلاثة بالمائة من السفيرات ، ولكن لا يزال لدينا فرص للازدياد. في لبنان، فإن الأرقام تشير الى سفيرتين من إثنين وعشرين سفيرا، لكن هذا الرقم سوف يصبح قريبا ثلاث سفيرات من أصل ثلاثة وعشرين سفيرا. في أكثر من 60 بلدا في جميع أنحاء العالم، بما فيها لبنان، تحرم قوانين الجنسية المرأة من حقوق مساوية لحقوق الرجل في اكتساب جنسيتها أو تغييرها أو الاحتفاظ بها، أو منحها لزوجها اكان أجنبيا أو لا جنسية له. وفي 27 بلدا في جميع أنحاء العالم، بما فيها لبنان، لا تتمتع المرأة بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل في منح الجنسية لأولادها. فإذا أنجبت امرأة طفلا والده غائب، قد يتم رفض إعطاء الطفل جنسية أمه، ويترك الطفل من دون هوية ما يخلق جيلا جديدا من مكتومي القيد. تعرف الولايات المتحدة جيدا ما يمكن أن يحدث عندما تمنح المرأة إمكانية تحقيق كامل قدراتها. فمنذ ما يقارب الخمسين عاما، بدأ دور المرأة في الولايات المتحدة يتغير. وبدأت المزيد من النساء دخول سوق العمل. وبسبب مساهماتهن، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة بنسبة 25 بالمئة. إن تمكين المرأة من تحقيق كامل إمكاناتها هو هدف نعمل عليه ليس فقط داخل حدود الولايات المتحدة، ولكن أيضا على الصعيد العالمي. هنا في لبنان، نحن نشارك على نطاق واسع في برامج للنساء، وأحد هذه البرامج يدعى “تعليم المرأة اللغة الإنجليزية”. لقد ساعدنا، على مدى السنوات الثماني الماضية، 6500 امرأة في 120 مجتمع – حيث أنهنّ لم يتعلمن اللغة الانكليزية فحسب، بل أيضا إدارة الأعمال، والتفكير النقدي، ومهارات حل النزاعات، وقد وجدت إحدى النساء مستثمرا جديدا في عملها في قطاع الشوكولا بسبب مهاراتها الجديدة؛ وأخرى استطاعت إقناع ابنتها على البقاء في المدرسة من خلال تمكّنها من مساعدتها في أداء واجباتها المدرسية. هؤلاء النسوة أصبحن شريكات أقوى في أسرهنّ، كما أصبحن أفضل اندماجا في اقتصاد مدنهنّ، كما أصبحن قدوة لقيمة التعلّم من خلال كونهنّ مثالا لأطفالهن وأشقائهن،. هذا مجرد مثال واحد حول كيف يمكن لبرامج تهدف الى تحسين تمكين المرأة من مساعدتها في بناء أسرة بأكملها، ومجتمع بأكمله. لذلك، ماذا يمكن القيام به أيضا؟ يمكن لواضعي السياسات تنفيذ قوانين جديدة، وتحسين القوانين التي لا تزال تميّز ضد المرأة. ويمكن للمسؤولين الحكوميين بدء تشغيل البرامج التي تساعد النساء على تسلّق الحواجز، ويمكن لرجال الأعمال تغيير سياسات شركاتهم لجعل الامور أسهل للأسر العاملة، ويمكن لأصحاب المشاريع تبادل معارفهم حيث لا تزال هناك حواجز، ومد يدهم للنساء الصاعدات. يمكن للباحثين أن يساعدوا المجتمع على فهم أفضل للتحديات التي تواجهها النساء والفتيات، وأن يساعدوا على تحديد الفوائد الاجتماعية والاقتصادية للمساواة بين الجنسين. ويمكن للمجتمع المدني أن يدفع كل منا للالتزام بمسؤولياته تجاه وعوده، والضغط باتجاه التزامات جديدة، وتسليط الضوء على واقع الحياة اليومية للمرأة. لقد أصدر البنك الدولي مؤخرا دراسة حول المؤشر الأقوى للتكهن حول المساواة بين الجنسين في البلاد. أخذت الدراسة بالاعتبار أمورا مثل ثروة البلاد وتقدمية الأحزاب السياسية. وقد وجدت أنه، على الرغم من أهمية هذه المسائل، فالمؤشر الأهم كان سواء كان للبلد قواعد قوية تعمل على تاييد المساواة مع المرأة. في ديمقراطية مثل لبنان، حيث طبيعة معظم الأحزاب السياسية، — أقل ما نستطيع قوله — لا تُفضي تماما الى المشاركة الكاملة للمرأة، من المرجح أن تكون الأنشطة التي تقوم بها القواعد الشعبية أكثر أهمية لاكتساب قدر أكبر من المساواة. بالطبع النساء يودن ذلك، وينبغي أن يكنّ قادرات على لعب أدوار فعلية وقيادية في السياسة في لبنان، ولكن حتى في الوقت الذي لا تزال فرص المشاركة في أنشطة سياسية علنية محدودة، هناك العديد من الطرق التي تستطيع من خلالها المرأة اللبنانية التأثير على تطور الديمقراطية اللبنانية نحو مستقبل أكثر حيادية بين الجنسين. وعلى الرغم من أهميتها، فالانتخابات ليست الكل في الكل في الديمقراطية، ليس في لبنان، ولا في أي بلد. الديمقراطية لها جوانب عديدة أخرى غير الانتخابات ومبدأ حكم الأغلبية. إن المؤسسات القوية وسيادة القانون وحماية حقوق الأقليات لا تقل أهمية. وفي الحقيقة، يمكن لهذه القضايا أن تكون أكثر أهمية في كثير من الحالات لأنها تمارس كل يوم في الديمقراطيات النابضة بالحياة، في حين تجرى انتخابات واحدة كل سنتين – أو كل ستة أو ثماني سنوات في حالة لبنان في الآونة الأخيرة. هناك فرص متاحة في أمكنة كثيرة للنساء المهتمات بتعزيز الديمقراطية في لبنان. المرأة هي الآن قادرة على الانضمام إلى الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، والتدرّب على مهن في مجال الخدمات المصرفية وفي القانون وفي وسائل الإعلام. وكما هو الحال دائما، هنّ قادرات على التحدث داخل أسرهنّ وداخل المجتمع عندما يرون انتهاكات للقانون وإساءة لاستعمال السلطة. اليوم، يمكننا أيضا إضافة وسائل التواصل الاجتماعي لتلك القائمة. ويتساءل المرء عما إذا كانت المرأة اللبنانية — في لبنان بلا رئيس ويفتقد الانتخابات على مدى السنوات الست الماضية — قد بذلت جهودا متضافرة باستخدام الطرق (المذكورة أعلاه) أو حاولت اتباع المثال الليسستراتي مثلا. بطريقة ما، هذا المؤتمر يذكرنا بتجمع النساء اليونانيات في بداية تلك المسرحية الكوميدية اليونانية القديمة. هذا المؤتمر يأتي بمجموعة متنوعة من ذوي الميول المشتركة من مؤيدي المرأة لتحقيق هدف سياسي، ولكننا هنا أيضا للاحتفال معا في مساهماتها على خطوط المواجهة – في العلاقات الدولية مستجيبة لضغط أزمات اللاجئين، وكصحفيات يقدمن تقارير عن قصص حصرية من الميدان، أو كقائدات في مجال الأعمال يتغلبن على المخاطر والصراعات من أجل خلق فرص عمل. هذا المؤتمر يأتي أيضا بسيدات معنيات بمواصلة النضال من أجل حقوقهن. وفي بعض الحالات يمكن لهذه الصراعات على خطوط المواجهة أن تكون قريبة أو في عقر دارهن فيما يحاربن التطرف في عائلاتهن. ففي جميع هذه القطاعات، للمرأة دور هام تقوم به. في اليوم العالمي للمرأة، يمكن أن نتذكر النساء من الماضي – ونستطيع أن نحتفل بنساء اليوم العظيمات – ويمكن أن نرسي الأساس لنساء الغد. الأهم من ذلك، يمكننا أن نتعهد بإجراء التغيير، مع العلم أن الانسانية يمكنها أن تصل إلى كامل إمكاناتها فقط عندما يتم تمكين النساء والفتيات على تحقيق قدراتهن الكاملة. شكرا لكم وأتمنى لكم النجاح الكامل. عاش لبنان.