هذه المدوّنة بقلم مارك مارانو
القنصل العام في السفارة الاميركية في لبنان
عندما علمت أنّه تم تعييني في السفارة الاميركية في بيروت، قادني شغفي بالتاريخ وأبحاثي في العلاقات الأميركية – اللبنانية إلى القنصل العام جورج وادزورث الثاني، أوّل دبلوماسي أميركي رفيع المستوى في لبنان في العام 1942. أذهلني التشابه بين مسيرتي الشخصية ومسيرته. والدي ووادزورث مثلاً من سكان بوفالو- نيويورك، ومارسا العمل الدبلوماسي لإثني وأربعين عاماً، وقاما بتربية عائلتيْهما خارج الولايات المتحدة، وتوفيا في بيثيسدا بولاية ماريلاند.
ومع وجود أقارب لي ما زالوا يسكنون خارج بوفالو، أعتبر الأخيرة مسقط رأسي(Go Bills!) ، وأملك منزلاً في بيثيسدا. خدم وادزورث في إيران، ووالدي كذلك، فضلاً عن العراق ومصر، وقد خدمت أنا بدوري فيهما قبل تعييني في بيروت. كذلك ولِد أولاد وادزورث خارج الولايات المتحدة، وتلك تماماً الحال مع والدي ومعي.
ولّد اكتشاف هذا التشابه بيننا فضولاً شخصيًا لدي مغذّياً أبحاثي. عندما تمّ تعيين وادزورث لأوّل مرة في لبنان، على سبيل المثال، استأجر، ثم اشترى لاحقاً، منزلَيْ آل بسّول في شارع كليمنصو بالقرب من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت. أصبح هذان المنزلان لاحقاً مقراً للمفوّضية الأميركية الجديدة، التي سبقت القنصليّة والسفارة الأميركية.
مهّد الدبلوماسيون الأوائل، أمثال وادزورث ووالدي، الطريق لأجيالٍ لاحقة من الدبلوماسيّين مثلي. تَذكُّرنا لِخدمتهم السابقة يدفعنا، بلا شكّ، إلى تقدير الحاضر بشكلٍ أكبر ويشكّل إلهاماً يدفعنا الى التفاني أكثر سعياً لمستقبلٍ أفضل.

وعلى الرغم من أنّ الأدوار تغيّرت إلى حدّ ما مع مرور الوقت، إلا أنه يشرّفني أن أخدم، بكلّ تواضع، كقنصلٍ عام للولايات المتحدة هنا في بيروت.
في مثل هذا اليوم قبل ثمانين عامًا، أي تحديداً في 19 تشرين الثاني 1942، قدّم القنصل العام جورج وادسورث الثاني أوراق اعتماده كقنصلٍ عام للولايات المتحدة في لبنان. وعلى الرغم من أنّ “السفير” لم يكن لقبه الرسمي، إلا أنّ وادزورث مارس تلك المهام في نواحٍ عدّة، إذ كان الممثّل الدبلوماسي الأميركي الأعلى رتبةً بلبنان في فترةٍ مفصليّة من تاريخ لبنان الحديث. في العام 1944 رقّي إلى رتبة وزير عقب الاعتراف الرسميّ بالجمهورية اللبنانية، وكان مسؤولاً عن بعثَتيْن في سوريا ولبنان، لكنّ مقرّه كان في بيروت. في العام 1952 مُنِحت المفوضيّة مرتبة “سفارة”، وأصبح الوزير هارولد مينور أول سفيرٍ للولايات المتحدة في لبنان. أما بالنسبة إلى وادزورث، فواصل مسيرته المهنية ليصبح سفيراً في العراق وتركيا والمملكة العربية السعودية واليمن، على سبيل المثال لا الحصر. تمتّع وادزورث بسمعةٍ لا تشوبها شائبة في كلّ من الولايات المتحدة والشرق الأدنى حيث خدم أطول فترة. وفي رسالةٍ مؤرخة في كانون الثاني 1958، أخبر الملك سعود الرئيس أيزنهاور أنّ وادزورث كان “رجلاً يستحقّ ثقتكم”. وكتبت جريدة Buffalo Evening News في العام نفسه: “المنحى الأكاديمي كان جانبًا مهمًا من سمات شخصيّة جورج وادزورث، إنّ الـ44 عامًا التي قضاها في الشرق الأدنى وخارجه، جعلته يجمع بين المعرفة الواقعيّة والفهم للمنطقة وشعوبها أكثر من أيّ شخصٍ أميركي […] ”
عندما وصل وادزورث إلى بيروت في العام 1942، كتبت صحيفة النهار: “الممثل الدبلوماسي الجديد عرفته بيروت سابقاً وبلدانٌ أخرى في الشرق الأوسط. لقد زار بيروت لأوّل مرّة بعد تخرّجه من الـ”يونايتد كولدج” في الولايات المتحدة. في تلك الفترة قصد بيروت للتعليم في الجامعة الأميركية في بيروت. وترك التعليم للعمل في مكتب القنصليّة العامة التي كانت آنذاك تهتمّ بالقضايا المتعلّقة بفرنسا وبريطانيا العظمى ودول الحلفاء الأخرى. كان معظم عمله في بلدانٍ قريبة من سوريا ولبنان […] وبمجرّد وصوله، قام بزيارة الجنرال كاترو […] ”
يظهر من كتابات وادزورث أنّه كان أيضًا مؤيّداً لاستقلال لبنان، وهي مناسبةٌ نحتفل بها مع أصدقائنا وشركائنا اللبنانيين بعد بضعة أيام في 22 تشرين الثاني. تُعبّر البرقيات الموقّعة من وادزورث، والمتوافرة عبر مكتب التأريخ في وزارة الخارجية الأميركية عن تلك الفترة الرائعة من تاريخ لبنان. في برقيةٍ بتاريخ 22 تشرين الثاني 1943، كتب وادزورث إلى وزير الخارجية: “لقد أدّت المناقشة إلى قرارٍ بأنّ الاستعادة الرسمية ستتمّ غداً، صباح الأربعاء، وسينظّم الوزراء، بشكلٍ غير رسمي، احتفالاً للأمّة جمعاء. يستمرّ الإضراب العام في غضون ذلك، وينتهي الأربعاء ببيانٍ رئاسيّ يدعو إلى استئناف الحياة الطبيعية […] قال لي كلّ هذا مبعوثٌ خاص أرسله الرئيس مع التأكيد على تقديره وتقدير حكومته الأعلى للدعم والمساعدات الأميركية. وقد عاد حاملاً تهانيّ الشخصية الحارة للرئيس وللحكومة. أضفت بأنّني واثقٌ من تحدّثي أيضاً باسم حكومتي وسألته إذا كان بإمكاني الاتصال به شخصيًا؛ فتمّ بعد نصف ساعة تحديد موعدٍ لصباح الغد”.
بتكريمنا لوادزورث نُكرّم مدماكاً آخر للعلاقة الدبلوماسية الطويلة الأمد بين الولايات المتحدة ولبنان. وسنستمرّ في هذه العلاقة على المدى الطويل. وكما قالت السفير شيّا سابقاً: “دعونا نعقد العزم على مساعدة شعب لبنان للخروج من الأزمات المعقّدة التي يواجهها البلد واستعادة مكانته كمنارةٍ لريادة الأعمال والازدهار، فضلاً عن الديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط”.